الثلاثاء، 28 ماي 2013


هل تقدر الشغيلة على مقاطعة النقابات؟ (2/2)

هل تقدر الشغيلة على مقاطعة النقابات؟ (2/2)
يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لو وددت والله أن معاوية صَارَفَنِي بكم صرف الدينار بالدرهم فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلاً منهم, (..) منيت منكم بثلاث وأثنتين : صم ذوو أسماع , وبكم ذوو كلام , وعمي ذوو أبصار , لا أحرار صدق عند اللقاء, ولا إخوان ثقة عند البلاء, تربت أيديكم, يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها, كلما جمعت من جانب تفرقت من جانب آخر".
أولا: قريبا من التعاقد بعيدا عن الاستقطاب المؤقت:
ماذا يعني الانخراط في العمل النقابي اليوم؟
يعني الانخراط اقتناء بطاقة من نقابة ما كيفما كان لونها أونوعها أومرجعيتها وايديلوجيتها، المهم من سارع إلى تسليم بطاقة انخراط إلى فرد ما، فقد مارس الاستقطاب في صورته البدائية؛ بل إنك تجد من الشغيلة من يأخذ أكثر من بطاقة واحدة دون أن يستطيع التمييز بينها، قد يغيب شعار النقابة واسمها لديه، وقد يستبدلها بالحزب فيقول مثلا: نقابة كذا وكذا..
وضع مقلق كهذا، من شأنه أن يقض مضجع من ساير العمل النقابي ورافقه في سيرورته وصيرورته، ومُفْزِع بالنسبة لمن يؤمن بقدرة العمل النقابي على تحقيق "ما لم تحققه السياسة".
تنظيميا، النقابة مطالبة بتحصين إطاراتها من خلال إعادة النظر في آليات الاستقطاب المعتمدة، لأنه ليس من اقتنى بطاقة مناضل داخل التنظيم، لهذا وجب تذكير المنخرط الجديد سواء أكان خريجا جديدا أو ملتحقا جديدا بسلك الوظيفة، إلى كون الحصول على بطاقة من النقابة يعني الالتزام بما يلي:
- الالتزام بتنفيذ كل الأشكال الاحتجاجية المشروعة التي تدعو إليها النقابة من خلال الآليات الديمقراطية المعروفة والمتداولة المبنية على الإشراك الحقيقي للمنخرطين في توضيح الملابسات والسياقات والمرجعية، بعيدا عن أي توجيه ديماغوجي في توظيف مجاني للمنخرطين؛
- الحضور للمهرجانات الخطابية والمسيرات السلمية التي تدعو إليها النقابة في فاتح ماي، استحضارا لرمزية هذا اليوم ومراميه الثقافية والسياسية بعيدا عن مقاربة استعراض القوة والتنفيس؛
- الحضور إلى اللقاءات التأطيرية التي تقوم بها النقابة سواء من باب التعريف بمنجزها التنظيمي أو النضالي والتي غالبا ما تدخل في سياق التأطير والتكوين، بعيدا عن منطق المناسباتية التي ترافق الاستحقاقات الانتخابية؛
في مقابل ذلك، تلتزم النقابة فضلا عن الدور التاطيري الذي يجب أن تقوم به، بأن تأخذ على عاتقها مسؤولية الدفاع على المطالب العادلة للشغيلة -إن كانت مشروعة وعادلة- التي يضمنها القانون وضوابط الحق والعدل، مع استحضار ضرورة الحفاظ على العلاقة المقبولة والقوية في العلاقة مع الإدارة المبنية على المساندة النقدية والشراكة الحقيقية والجاهزية النضالية الدائمة المستحضرة لشروط التدافع الحضاري والقيمي السليم والمدرك لطبيعة السياقات والمساقات.
ثانيا: في الحاجة إلى المصالحة المزدوجة:
الشغيلة اليوم، كلها مدعوة في تقديرنا إلى الانخراط الايجابي في العمل النقابي وإلى محاسبة إطاراتها النقابية على كل صغيرة أو كبيرة، شريطة أن تكون ملتزمة بأبجديات الانخراط والتعاقد التنظيمي كما أسلفنا الذكر قبل قليل، وأن تحرص على الحضور إلى كل المحافل التنظيمية وأن تعتبر التخلف عنها كالتخلف "يوم الزحف"، لأن من شأن هذا الأمر أن يقطع الطريق على أصحاب النفوس الضعيفة أمام سلطان الهوى، ويمنح للراغب في التغيير والتدافع سلطة إعلاء كلمة الحق والعدل وإنصاف المظلوم المؤمن بمظلوميته بعيدا عن النضال بالتفويض أو نضال الوكالة؛ فما علا صوت "الاستبداد الصغير" داخل التنظيمات إلا بانزواء الأخيار أو من تتوفر فيهم الحدود المعقولة من الصلاح والاستقامة والقدرة على كبح جماح الذات وأهواء العشيرة والقبيلة الايديلوجية، مع العلم أن الكمال لله عز وجل.
لن يتغير الوضع النقابي إلى ما هو أفضل ما دام هناك من يكتفي بالكلام الذي لا يكلفه شيئا بالمفهوم الفيزيائي، وتداول أخبار الحمقى والمغفلين من بعض النقابيين ممن جاد بهم زمن الكلام والفراغ ليكرسوا الوضع ويبقوه على حاله.
لن يتغير الوضع النقابي بالبقاء خلف شاشة الحاسوب في البحث عن عورات وانفلاتات بعض النقابيين من خلال بعض مواقع التنفيس والتشهير وتسلية أناس بهموم أناس.
ولن يتغير الوضع النقابي بتطبيق القاعدة التاريخية " ليس حبا في علي ولكن كرها في معاوية" من خلال دعوات المقاطعة المجانية أو الاصطفاف إلى جانب الإدارة.
والبقية تأتي..
الهامش:
1- من كلام لعلي في توبيخ أصحابه على التباطؤ على نصرة الحق.
انظر: الشريف الرضي، نهج البلاغة, ج1, ص ص188-189.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق