الأربعاء، 2 أكتوبر 2013


 النقابات ؟ أم الاصطفاف إلى جانب المخزن والإدارة؟
د سعيد شقروني 
أعظم شيء لأجيالنا هو اكتشاف وجودية الناس، وذلك بتغيير ما بالعقل الداخلي من المشاعر والأفكار، وبذلك تستطيع أن تغير من تصرفاتهم الخارجية في مجالات الحياة” ويليام جيمس
تنوير:
قولنا في هذا المقام، امتداد لتحليل شرعنا فيه منذ وقت ليس ببعيد، في مقاربة المشهد الثقافي النقابي في المغرب. في عنوان تساءلنا فيه حول قدرة الشغيلة على مقاطعة النقابات. سطور تقاسمنا فيها المسؤولية على مستوى “جلد الذات”، واعتبرنا فيها أن فتنة القول الذي لا يتبعه عمل لن يغير من الأمر شيئا. بل إن إنطاق اللسان بالصمت أمام التحولات التي يعرفها حقل التربية والتكوين، وإعدام إرادة الفعل في قارعة الشارع: في انتظار الحافلة أو انتظار بداية مباراة كرة القدم؛ وإثارة زوابع في فنجان ضيق في قاعة الأساتذة.. كلها مشاهد مألوفة تخدم بشكل أو بآخر شهوة التنفيس عند المهندسين الحقيقيين للخريطة الذهنية للإنسان، إلا من وعى وتدبر وقال إني من الايجابيين..
من الاستفهام إلى محاولة حَسْم السؤال:
لماذا تخوين النقابات وسبها مادام الأمر لن يغير شيئا؟ لماذا هذه السلبية إذا كنا لا نقدر على الانخراط في معركة التغيير من الداخل التي لن تكلفنا شيئا قبل الانخراط في أوراش التغيير الكبرى حيث العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد..
لماذا الإصرار على خطاب التخوين بدون تبريرات مقنعة ومتوازنة، إذا كنا لا نقدر على الإضراب والاحتجاج(1) ونخشى الاقتطاع(2) والمطالبة بحقوقنا خارج النقابات(3)؟
في تقديرنا المتواضع، عندما يكون التعبير الوحيد لمن لا يملك القدرة على الانخراط من أجل التغيير وترشيد التدافع هو بَخْسُ حق العمل النقابي ونُكْران جميله في رمشة عين، والتشطيب على تاريخ عريض وواسع لأناس ضحوا بالغالي والنفيس في زمن كانت فيه بطاقة الانخراط تقدم للراغب فيها خلسة المختلس.
نقول عندما يتكلم الحاقد على النقابات لكي لا يقول شيئا، فهذا ليس نضالا(4) بأي معنى من المعاني، مادام تعريف الحرية في أبسط تعريفاتها هي قول كلمة “لا” ؛ فحتى أولئك “الروافض” للعمل النقابي لا يقدرون على قول “لا” أمام نقابيين يزورونهم في مؤسسات العمل ويعتقدون اعتقادا جازما بفسادهم، بل أقسى ما يمكن أن يواجهوهم به هو ابتسامات موناليزية تجمع بين الحقد والتملق، والتزلف والعزف على إيقاع سمفونية البقع الرمادية.
مرة أخرى أتساءل: ما معنى مقاطعة النقابات إذا كنا غير قادرين على “صناعة” نقابات أخرى منافسة، أو تكتلات قوية مؤمنة بعدالة قضيتها؟
أكثر “القوالين” ايجابية، يعربون عن رغبتهم في الالتحاق بالنقابات شريطة تصحيح العمل النقابي من الداخل وتَنْقِيَتِه من الانتهازيين والمفسدين وانتخاب مكاتب نقابية نزيهة، حينئذ سيلتحق “المتكلمون” بالنقابات ويساهمون في التغيير..: هو منطق “اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون”، فحتى الانخراط من أجل إسقاط من يصفونهم ب”الانتهازيين” داخل النقابات لا يساهمون فيه.. فكيف الانخراط في تغيير النقابات أو مقاطعتها أو إسقاطها؟ أي ايجابية هاته؟
إن أحد عيوب التفكير المتخاذل والسلبي، اعتزازه وإحساسه بالتميز والصفاء الزائف، وعدم قدرته على التموقع الحقيقي في ركب الفعل والتغيير والتدافع.
ما البديل غير النقابات؟ هل الاصطفاف إلى جانب المخزن والإدارة؟
حتى الدول تشير في دساتيرها بحق الشغيلة في الانتماء النقابي وممارسة “شعائرها” الايديلوجية في إطار ما يكفله القانون، غير أن أقلاما ملثمة تطل بتسميات غريبة مقتبسة من المسلسلات التركية والهندية، تدعو إلى مقاطعة النقابات وتخوين مناضلين لهم تقديراتهم الخاصة في التدبير، أو متطوعين للعمل في إطارات نقابية ساقتهم إليها الأقدار أو القناعات..
إن دعوات المقاطعة في غياب إرادة حقيقية وايجابية للانخراط من أجل تصحيحها والتدافع والاحتجاج.. دعوات لا يمكن أن تكون إلا خدمة مجانية للباطرونا و”العفاريت”.
مبدأ نقابي معروف هو خذ وطالب، ومبدأ أصولي معروف يُعمل به في العمل النقابي أيضا حيث تفويت أدنى المصلحتين من أجل جلب أعظمهما؛ وهذا منطلق من مبدأ أصولي آخر ألا وهو مبدأ تعارض المصالح، بمعنى أن الإنسان في كثير من الأحيان يوجد في موقف حرج يكون عليه الاختيار بين مصلحتين أو الاختيار بين مفسدتين.
هناك اليوم من يريد من النقابيين السير على نهج تحقيق كل شيء أو لا شيء، وفي الغالب يصدر هؤلاء عن مقاربة تنطلق من المصلحة الشخصية أو الفئوية الضيقة، حتي إذا جاء أي اتفاق أو تحقق مطلب لا يجد فيه مصلحته الشخصية، حكم على النقابات بالطوفان والصواعق والجراد والضفادع والقمل، دون أن ينظر إلى ما تحقق على أرض الواقع، ثم ينزوي إلى ظل بالمقهى يسب ويشتم ويتوعد بالمقاطعة، فإذا وقع عليه رِجْزُ أو مسه تكليف أو وقع في ورطة، جاء إلى نقابة يعتبرها “فاسدة” لكن ذات “نفوذ” وقال لواحد في مكتبها “ادع لنا مسؤولكم بما عهد عندك، لئن كشف عنا هذا التكليف ورزقنا انتقالا ولَوْ بمال، لأنخرطن معكم ولأساهمن بمال ولآتين بمن معي في المؤسسة كي ينخرطوا معكم..”
نجانا الله وإياكم من السلبية وكثرة الكلام بدون عمل..ونجانا من الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم.. ورزقنا القدرة والقوة والإرادة على الفعل والتغيير، وألهمنا الصبر على القوالين و”المنظرين”.
الهوامش:
1-
نتصور أن الاحتجاج هو شكل من أشكال التعبير وإبداء الرأي من خلال أنماط التعبير الإنساني حيث آليات التعبير الفردية أو الجماعية أو الشفهية أو المكتوبة، ويمكن لبعض هذه الأشكال التعبيرية أن تتداخل في بعض المقامات النضالية “وقفة –اعتصام- مسيرة- تجمع خطابي”.
2-
ماذا لو تم إقرار الاقتطاع من الأجور؟ هل سيؤدي إلى ارتفاع نسبة العزوف عن الانخراط في إضرابات الشغيلة وبالتالي تمايز الصفوف بين المناضلين الحقيقيين المؤمنين بقضاياهم وبشرف النضال تحت راية نقابتهم، وبين الراغبين في تحقيق المطالب من خلال منطق “اذهب أنت وربك فقاتلا..” أم سيؤدي إلى مزيد من الاحتقان والانخراط المكثف في دعوات الاحتجاج والنضال من أجل مطلب استرجاع المال المقتطع قبل أي شيء آخر؟
3-
ينص القانون على الترخيص بتنظيم الوقفات الاحتجاجية، من خلال إتباع المساطر القانونية الجاري بها العمل، بمعنى أن تتسلم الجهة الداعية إلى الاحتجاج ترخيصا موقعا من قبل الإدارات التابعة لوزارة الداخلية. حيث يلزم المحتجون بتعيين مكان الاحتجاج ومطلبهم من الوقفة، من أجل الحصول على وصل قانوني يعفيهم من المتابعة والمساءلة القانونية.
غير أنه في بعض الأحيان ترفض الجهة المختصة التصريح بتنظيم الوقفات، بعد تحريات تجريها المصالح الأمنية وتنجز عنها تقارير حول تبعات هذه الوقفات. وفي حالة التشبت بالاحتجاج، تستند الدولة إلى قاعدة قانونية، طبقا لفصول القانون الجنائي، تخول لها التدخل الأمني بطرقها الخاصة..
4-
أتصور أن الإضراب هو عنوان صغير يندرج تحت عنوان كبير هو الاحتجاج، مادام الإضراب يخص فئة اجتماعية، والاحتجاج قد يخص الشعب بتلويناته السياسية واللغوية والجغرافية والدينية والاجتماعية والحقوقية..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق