الثلاثاء، 25 شتنبر 2012


رسالة التلميذ
لعبدالقادر بن عمر البغدادي (1030-1093)
هذه الرسالة من كتاب نوادر المخطوطات (1/217) تحقيق الاستاذ عبدالسلام هارون (ت 1408 هـ) رحمه الله تعالى، فقد ترجم للمؤلف وقدم لها بمقدمة جميلة، وبين أصول الرسالة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه الطيبين الطاهرين.
أما بعد: فهذه كلمات ذكرتها لمعنى التلميذ، فإني لم أجد هذه الكلمة مذكورة في كتب اللغة المتداولة، المدونة (لبيان) الجليل والحقير، وذكر النقير والقطمير، كالجمهرة لابن دريد، والصحاح للجوهري، والمحكم لابن سيده، والعباب للصاغاني، والقاموس لمجدالدين الفيروزابادي، وغيرها، إلا في لسان العرب لابن مكرَّم، فإنه أورده في مادة (تلمذ) وقال: «التلاميذ: الخدم والأتباع، واحدهم تلميذ»، مع أنها كلمة متداولة بين العام والخاص، وكثيرة الاستعمال في تآليف العلماء الأعلام. i340182970_20109_6_opt.jpeg
وكان الباعث لهذا أني لما قرأت كتاب مغني اللبيب، ووصلت إلى قوله في الباب الخامس «حُكي لي أن بعض مشايخ الإقراء أعرب لتلميذ له بيتَ المفصَّل (1)» رأيت شارحه الفاضل إبراهيم بن الملا الحلبي (2) قال: «التلميذ: القارئ على الشيخ. ولم أقف عليه في شيء من كتب اللغة المتداولة كالصحاح والقاموس وغيرهما» أ.هـ.
فحينئذ تتبعت بطون الدفاتر، من مصنفات الأوائل والأواخر، حتى رأيته في كتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري، فإنه ساق (3) فيه شعرًا للبيد بن ربيعة العامري الصحابي وفيه هذا البيت:
فالماء يجلو متونهنّ كما
يجلو التلاميذُ لؤلؤًا قَشبا (4)
وقال بعد إنشاد الأبيات: «التلاميذ غلمان الصنَّاعِ. والقشب والقشيب: الجديد، والجمع القُشب».
ورأيته أيضًا في شعر أمية بن أبي الصلت، وهو شاعر أدرك النبي  "صلى الله عليه وسلم"  ولم يوفَّق للإيمان به، وغالب شعره في الوعظ وتذكير الآخرة وقصص الأنبياء، وهو ما لا يكاد يُقضى العجب منه، قال في قصيدة:
والأرض معقلُنا وكانت أمَّنا
فيها مقامتُنا وفيها نولدُ
وبها تلاميذ على قُذفاتها
حبسوا قيامًا فالفرائص تُرعد (5)
قال شارح ديوانه: «التلاميذ الخدم، يعني الملائكة».
وقال أيضًا في قصيدة أخرى:
صاغ السماء فلم يخفض مواضعَها
لم ينتقص علمَه جهلٌ ولا هَرَمُ
لا كشِّفت مرةً عنا ولا بليت
فيها تلاميذ في أقفائهم دَغَم (6)
وقال شارحه هنا أيضا كذلك.
ورأيت في المقامة الأولى من المقامات الحريرية قوله: «فوجدته محاذيًا لتلميذ، على خبز سميذ، وجدي حنيذ، وقبالتهما خابيةُ نبيذ (7)»، قال شارحه الشريشي: «التلميذ متعلم الصنعة، والتلميذ الخادم، والجميع التلاميذ»، وأنشد بيت لبيد المتقدم، ثم قال: «وطلبة العلم تلاميذ شيخهم» أ.هـ. T_a19b6d25-562e-4fff-b_opt.jpeg
وإهمال داله لغة فيه، قال أمية بن أبي الصلت في القصيدة الدالية التي تقدم إنشاد بيتين منها:
فمَضى وأصعد واستبدَّ إقامةً
بأولِي قوًى فمبتَّل ومُتلمدُ
قال شارحه: «يريد متلمذ، أي خادم من التلاميذ، وتُلمذ: جُعل للخدمة. «متلمِذ» بكسر الميم، وأراد بأولي قوى: الملائكة الذين يحملون العرش، وقوله: «فمضى» يعني الله عز وجل، واستبدّ، يعني لا يستشير أحدًا، يقال استبدَّ فلان برأيه»، إذا لم يستعن أحدًا على ما يريد، والمبتل: المفرد. أ.هـ.
ويؤخذ منه أن تاءه أصلية، ووزن تلميذ فِعليل، وأن له فعلًا متصرفًا هو تلمذه كدحرجه، بمعنى خدمه، يتلمذه كيدحرجه، تلمذة وتلماذا، كدحرجة ودحراجًا، فهو متلمذ كمُدحرج بمعنى خادم، وذلك متلمَذ أي جعل خادمًا (8).
وإطلاق التلميذ على المتعلم صنعة أو قراءة، لأنه في الغالب يخدم أستاذه.
وقول الناس: «تلمَّذ له» و«تلمَّذ منه» بتشديد الميم، خطأ، لأنهم توهموا أن التاء زائدة، وليس كذلك وصوابه «تلمَّظ له» و «تلمَّظ منه» (9).
بالظاء المشالة المعجمة، ولمَّظه أي أطعمه وأذاقه، والتلمظ: تتبُّع اللسان بقية الطعام في الفم، وقد يكنى به عن الأكل، استعير للتعليم شيئًا فشيئًا.
والتلميذ يجمع على تلاميذ، فإن فعليلا يجمع على فعاليل، كبرطيل وبراطيل، وعفريت وعفاريت، وقنديل وقناديل، وإصليت وإصاليت، وإبريق وأباريق، ومنديل ومناديل. وأما قولهم في جمعه «تلامذة» فعلى توهم أنه اسم أعجمي (10)، فإن الهاء في الجمع تكون في أحد ثلاثة مواضع: (أحدها) الاسم الأعجمي المعرب، سواء كانت للتعويض عن مَدَّةٍ نحو أستاذ وأساتذة، أم لا نحو موزج وموازجة، وكيلجة وكيالجة. (ثانيها) للتعويض عن ياء النسب في المفرد، نحو أشعثى وأشاعثة، ومهلبى ومهالبة، وأزرقى وأزارقة، (ثالثها) للتعويض (إما) عن ألف خامسة جوازًا نحو حبنطى وحبانطة، وعقرنى وعقارنة، وإما عن (عين) (11) مضاعفة تحو جبار وجبابرة، وفي غير هذه المواضع الثلاثة قليل نادر كفحولة وحجارة.
قيل: وقد يرخم التلاميذ في الشعر على تَلَام، كقول الطرِمَّاح:
تتقى الشمس بمدريَّةٍ
كالحماليج بأيدى التلام
والحماليج: منافخ الصاغة الطوال، واحدها حملوج، شبه قرن البقرة الوحشية بها.
قال الجواليقي في المعرّبات (12): «التلام أعجمي معرب، قيل هم الصاغة، وقيل غلمان الصاغة، وقيل هم التلاميذ». وأنشد هذا البيت.
وأنشد ابن بري في حاشية الصحاح قول غيلان بن سلمة الثقفي (13) أيضًا: وسربال مضاعفة دِلاص
قد أحرزَ شكَّها صُنعُ التّلامِ
وروي:«التلام» في البيتين بفتح التاء وكسرها. أما الفتح فعلى أنه مرَخَّم التلاميذ ضرورة، وقد اقتصر عليه صاحب الصحاح، وقال: «التلام التلاميذ سقطت منه الدال».
وصاحب الصحاح تابع في هذا لأبي علي، قال في المسائل العسكرية (14):
ومن قبيح الضرورة قول الشاعر:
مثل الحماليج بأيدي التلامْ
قالوا: يريد التلامذة، فحذف. وقد أعلمتك أن ذلك يكون على الترخيم فيما تقدم، إلا أنه قد جاء من هذا النحو ما لا يكون في الترخيم كقوله (15):
دَرَس المَنَا بمُتالعٍ فأبانِ
قالوا: يريد: المنازل. ومثل ذلك ما أنشده لأبي دؤادٍ (16) الإيادي:
فكأنما تذكي سنابكها حُبَا (17)
قيل يريد الحباحب، أي نار الحباحب، وفي التنزيل: {فالموريات قدحا}. انتهى كلامه.
وأما الكسر فعلى أنه جمع «تِلْم» بكسر فسكون، بمعنى الغلام، قال ابن مكرَّم (18): فمن (19) رواه: التلامي، بفتح التاء وإثبات الياء، أراد التلميذ، يعني التلاميذ الصاغة. هكذا رواه أبوعمرو، وقال: حذف الذال من آخرها (20)، ومن رواه: التلام، بكسر التاء، فإن أبا سعيد قال: التلم الغلام. قال: وكلُّ غلامٍ تِلم، تلميذًا كان أو غير تلميذ، والجمع التلام، وقال ابن الأعرابي: التلام: الصاغة، والتلام: الأكرة» أ.هـ.
وأقول: «الصاغة» تصحيف من الصناع (21) لوقوعه في صحبة الحماليج.
ويدفعه البيت الثاني (22).
وقال صاحب القاموس: «التلم، بالكسر: الغلام، والأكّار، والصائغ أو منفخه الطويل، وكسحاب: التلاميذ، حذفت ذاله. ولم يذكر الجوهري غيرها، وليس من هذه المادة (و) إنما هو من باب الذال» أ.هـ.
أقول: أما قوله: «الأكّار والصائغ» فأخذه من قول ابن الأعرابي، على أن الصاغة والأكرة بالتحريك جمع صائغ وأكّار.
وأما قوله: «أو منفخه» فقد أخذه من قول بعضهم، وقد غُلِّط فيه.
نقل الأزهري عن الليث أن بعضهم قال: التلام الحماليج التي ينفخ بها. قال: وهذا باطل (23).
والعجب من صاحب القاموس أنه اعترض على صاحب الصحاح في ذكره التلام في باب الميم، مع أنه أثبته مثله، ولم يذكره في باب الذال.
(انتهت الرسالة)
أغلب المعاجم لم يورد مادة تلمذ .. وهذه أصولها في الأدب العربي


الهوامش
1- المفصل للزمخشري في النحو، انظر ابن يعيش 2: 94، والبيت هو:
لا يبعد الله التلبب والغا
رات إذ قال الخميس: نعم
2- هو إبراهيم بن الملا محمد الحلبي المتوفى سنة 979. ذكره في كشف الظنون وفي أ، حـ: «حلبي» موضع. «الحلبي» تحريف.
3- أ، حـ: «سابق» والصواب في ب.
4- ديوانه 141 بشرح الطوسي، وفيه: «التلاميذ غلمان الصاغة.. التلاميذ فارسي».
5- القذفات بضم الذل وفتحها: جمع قذفة، بالضم، وهي الناحية. وقذفات الجبال وقذفها: ما أشرف منها.
6- الدغم: السواد.
7- هذا سهو من البغدادي، فإن الشريشي في هذا الموضع لم يقل إلا: «تلميذ، متعلم الصنعة»، انظر الشريشي 1: 29 س1. وأما الكلام الذي نقله البغدادي بعد فهو تعليق على قول ابن الحريري: فالتفت إلى تلميذه وقلت عزمت عليك بمن تستدفع به الأذى، لتخبرني من ذا». انظر الشريشي 1: 30 .
8- الأولى من تلمذه بمعنى خدمه، والأخيرة من تلمذه أي جعله خادمًا.
9- هذه فتوى لغوية للبغدادي، ولما يستعمل هذا التعبير، ولا أظنه سائغًا.
10- كأن البغدادي، يذهب إلى أنه عربي.
11- كتبت كلمة عين في أ، حـ لكن جعل فوقها خط، والصواب إثباتها.
12- المعرب للجواليقي طبع دار الكتب ص91 .
13- شاعر مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام. الإصابة 6918 والأغاني 12: 43-47.
14- المسائل العسكرية لأبي علي الفارسي المتوفى سنة 337، نقل منها البغدادي نصوصًا جليلة في مواضع شتى من الخزانة. انظر 1: 9، 14/ 2: 62، 275، 402، 522/ 3: 46/ 4: 67، 73، 582، أ، حـ «مسائل العسكرية» تحريف.
15- هو لبيد بن ربيعة، والبيت مطلع قصيدة له في ديوانه طبع فينا 1880 وعجزه: «وتقادمت بالحبس فالسوبان».
16- أ، حـ: لأبي دؤاد» بالهمز.
17- روى البيت في اللسان 1: 288 هكذا:
يذرين جندل حائر لجنوبها
فكأنها تذكي سنابكها الحبا
18- في لسان العرب مادة تلم.
19- في الأصل: «ومن»، وصواب النص من اللسان.
20- أسقط البغدادي هنا قول ابن منظور: «كقول الآخر:
لها أشارير من لحم تتمره
من الثعالي ووخز من أرانيها
أراد من الثعالب ومن أرانبها» وهذا البيت لأبي كاهل اليشكري كما في اللسان 5. 161.
21- حـ فقط: «في الصناع».
22- يشير إلى بيت غيلان بن سلمة.
23- في اللسان: «قال أبومنصور- وهو الزهري- قال الليث: إن بعضهم قال: التلاميذ الحماليج التي ينفخ فيها. قال: وهذا باطل ما قاله أحد».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق