الجمعة، 2 يناير 2015

حديث (يَا فَاطِمَةُ، أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاء الْمُؤْمِنِينَ)




عن عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِيِنَ قَالَتْ: إِنَّا كُنَّا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  عِنْدَهُ جَمِيعًا لَمْ تُغَادَرْ مِنَّا وَاحِدَةٌ فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلام تَمْشِي لاَ وَاللَّهِ مَا تَخْفَى مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ قَالَ :

(مَرْحَبًا بِابْنَتِي)، ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ - أَوْ عَنْ شِمَالِهِ - ثُمَّ سَارَّهَا فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى حُزْنَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ فَإِذَا هِيَ تَضْحَكُ، فَقُلْتُ لَهَا - أَنَا مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ - : خَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  بِالسِّرِّ مِنْ بَيْنِنَا ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِينَ فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  سَأَلْتُهَا عَمَّا سَارَّكِ؟ قَالَتْ: مَا كُنْتُ لأُفْشِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  سِرَّهُ فَلَمَّا تُوُفِّيَ قُلْتُ لَهَا :

عَزَمْتُ عَلَيْكِ - بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنْ الْحَقِّ - لَمَّا أَخْبَرْتِنِي ، قَالَتْ: أَمَّا الْآنَ فَنَعَمْ، فَأَخْبَرَتْنِي قَالَتْ: أَمَّا حِينَ سَارَّنِي فِي الأمْرِ الأوَّلِ فَإِنَّهُ أَخْبَرَنِي (أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ قَدْ عَارَضَنِي بِهِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ وَلاَ أَرَى الأجَلَ إِلاَّ قَدْ اقْتَرَبَ فَاتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي فَإِنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ) .

قَالَتْ : فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأَيْتِ فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي سَارَّنِي الثَّانِيَةَ قَالَ:

( يَا فَاطِمَةُ، أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاء الْمُؤْمِنِينَ ، أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأْمَّةِ ؟ ) . (1)



غريب الحديث:

سَارَّهَا: السين والراء بجميع فروعه: إخفاءُ الشيء، وما كان من خالصه ومستقره، لا يخرج شيء منه عن هذا.

فالسرِّ خلاف الإعلان، يقال: أسررتُ الشيءَ إسرارًا، أي أخفيته (2) و هو النجوى والكلام المستتر به (3) الذي يكتم ، وجمعه أسْرارٌ، والسَّرِيْرَةُ مثله وجمعها سَرَائِر، وسَارَّهُ في أذنه مسَارَّةً(4) .

يُعَارِضُهُ: العين والراء والضاد بناءٌ تكثر فروعه، وهي مع كثرتها ترجع إلى أصل واحد، تقول: عارضْتُه في الكتاب إذا أتيتَهُ بمثل ما أتى إليك (5) .

قال القاضي عياض – رحمه الله -: كان يَعْرِضُ عليه القرآن : بفتح الياء وكسر الراء، ويُعَارِضُه القرانَ، يعني يقرأ عليه، والعرض على العَالِم: القراءة عليه من كتابه أو من صدره (6) ، ومعارضة جبريل له مدارسته جميع ما نزل من القرآن وعارض الكتاب بالكتاب أي قابله(7).

من فوائد الحديث:

1/ الشرفُ العظيمُ الذي بُشِّرت به فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، وتفضيلها بالسِّيادة على جميع نساء الأمة، وهو قدر لا يشاركها فيه أحد من الفاضلات، وأنها أفضل أخواتها، وقيل انعقد الإجماع على أفضليتها على أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن – (8) .

2/ في ضحك فاطمة - رضي الله عنها - سرورًا بسرعة لحاقها بأبيها صلى الله عليه وسلم  ، ما يدلُّ على إيثار السلف الصالح منازل الآخرة، وحبِّهم الانتقال إليها، والخلاص من الدنيا(9) .

3/ قال النووي - رحمه الله -: في الحديث معجزتان ظاهرتان للنبي صلى الله عليه وسلم  من علامات نبوته وإخباره بما شاء الله من الغيوب وهما: إخبار فاطمة - رضي الله عنها - ببقائها بعده، وأنها أوَّل أهله لحاقاً به، ووقع كذلك (10) .

4/ استدلال النبي صلى الله عليه وسلم  على اقتراب أجله بمخالفة جبريل – عليه السلام - عادته، فقد كان يدارسه القرآن كل عام مرة وعارضه ذلك العام الذي مات فيه مرتين (11)، ويستحب إكثار العمل عند دنوِّ الأجل.

5/ قال ابن بطال – رحمه الله -: فيه من الفقه جواز المسَارَّة مع الواحد بحضرة الجماعة، بخلاف مناجاة الاثنين دون الواحد، لأن الواحد المتناجى دونه يقع بنفسه أنهما يتكلمان فيه بما يسوءه، ولا يتفق ذلك مع الجماعة، وهذا من حسن الأدب وكرم المعاشرة (12).

6/ وفيه أنه لا ينبغي إفشاء السِّر إذا كان فيه مضرَّة على المُسِرِّ، لأن فاطمة - رضي الله عنها - لو أخبرت نساء النبي صلى الله عليه وسلم  ذلك الوقت بما أسرَّ لها من قرب أجله لحزنَّ حزنًا شديدًا، فلما أمنت ذلك فاطمة - رضي الله عنها - بعد موته صلى الله عليه وسلم  وبإصرار من الصِّديقة - رضي الله عنها - أخبرت به(13) .
7/ فيه حرص عائشة - رضي الله عنها - على نشر السرِّ الذي كتمته عنها فاطمة - رضي الله عنها - لئلا يفوتها شيء من الخير، فعزمت على معرفته بقولها: (عزمت عليك بما لي عليك من الحق ) أي بما تعرفه عنها من المودَّة والتقدير، وهذا القول، من الإلحاح في المسألة وطلب إفشاء الخبر بتأكيدٍ وعزمٍ لا رجعة فيه أو ترددُّ، ولا يدخل هذا في باب الحلف أو القسم(14). 

(1) متفق عليه ، رواه البخاري في صحيحه (529ح 6285، 6286) و مسلم (1108ح 2450) .
(2) معجم مقاييس اللغة ص (456).
(3) مشارق الأنوار (2/264).
(4) لسان العرب (4/356)، مختار الصحاح (ص124)، النهاية (2/360).
(5) معجم مقاييس اللغة ص (727).
(6) شارق الأنوار (2/93).
(7) العرب (7/165)، مختار الصحاح ص (178)، النهاية (3/212).
(8) إكمال المعلم (7/475)، الفتح (7/136)، عمدة القاري (16/145).
(9)  إكمال المعلم (7/475)، المنهاج (16/224).
(10) إكمال المعلم (7/475)، المنهاج (16/224).
(11) إكمال المعلم (7/476).
(12) بتصرف يسير، شرح ابن بطال (9/61)، الفتح (11/94).
(13) شرح ابن بطال (9/61)، الفتح (11/94).
(14) ينظر: معجم مقاييس اللغة ص (742)، النهاية في غريب الحديث (3/231)، الفتح (11/95)، إرشاد الساري (13/289).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق