الخميس، 21 يونيو 2012

عزل رئيس الجمهورية
عرض/ أحمد التلاوي

كان للتطورات الكبيرة التي شهدها العالم العربي بعد ربيع ثوراته، تأثير كبير على الحركة الفكرية والثقافية؛ فقد ظهر اهتمام كبير ببعض القضايا التي فجرتها الثورات الشعبية التي أطاحت بالعديد من الأنظمة الحاكمة في بلدان عالمنا العربي.
ومن بين هذه القضايا الكيفية التي يتم بها عزل رؤساء الدول وقياداتها، وخصوصًا في الحالات التي يثبت فيها أنهم ارتكبوا جريمة أو جرائم تدخل في بند الخيانة العظمى.
- الكتاب: عزل رئيس الجمهورية في حالة الخيانة العظمى
- المؤلف: حيدر محمد حسن الأسدي
- عدد الصفحات: 383
- الناشر: مؤسسة دار الصادق الثقافية، دار صفاء للنشر والتوزيع، بابل (العراق)، عمَّان،
- الطبعة: الأولى 2012
وقد ازدادت أهمية الأدبيات التي تتناول هذه المسألة في ظل ما تكشف من أدلة ووقائع أثبتت أن عددًا من القيادات السابقة في الأنظمة التي كانت حاكمة في الدول العربية التي قامت فيها ثورات شعبية، أطاحت بهذه الأنظمة، متورط في قضايا فساد واستغلال نفوذ، تصل في بعض الأحيان إلى مستوى الخيانة العظمى للأوطان من وجهة نظر البعض.
وبين أيدينا كتاب يناقش الجوانب السياسية والقانونية الدستورية المختلفة لقضية عزل رؤساء الجمهورية في حالة ارتكاب جرائم الخيانة العظمى، من خلال رؤية مقارنة للكيفية التي نظمتها بها القوانين والدساتير في كل من الولايات المتحدة وفرنسا والعراق ومصر.
والكتاب في الأساس عبارة عن رسالة تقدم بها المؤلف -وهو الباحث العراقي حيدر محمد حسن الأسدي- لنيل درجة الماجستير في القانون الدستوري من كلية القانون بجامعة بابل، قسم القانون العام، في عام 2009.
وعلى الرغم من أن الكتاب يحتوي دراسة أجريت في مرحلة ما قبل ربيع الثورات العربية، فإن توقيت نشره له الكثير من أوجه الدلالة مع كل ما يُثار في هذه الفترة حول المفاسد المرتكبة في بلدان العالم العربي، على مستوى قمة الهرم السياسي، وخصوصًا تلك التي ارتكبتها الأنظمة التي أطاحت بها شعوبها.
كما يكتسب الكتاب أهميَّة أيضًا في تأصيله للكثير من الجوانب القانونية والدستورية المتعلقة بمحاكمة رؤساء الدول ذات الأنظمة الجمهورية، في ظل الزخم الذي اكتسبته هذه القضية، بعد صدور الحكم في "محاكمة القرن" في مصر، والتي جرت للرئيس المخلوع حسني مبارك، ورموز نظامه، وحُكِمَ فيها على مبارك بالسجن المؤبد في قضية قتل المتظاهرين بميدان التحرير يوم جمعة الغضب 28 يناير/كانون الثاني 2011.
وثمة إشارة إلى أن النماذج التي استقاها الكاتب في بحثه هذا بعضها لدساتير قديمة تم إلغاؤها، وتتبع الكاتب في الإطار التطور الدستوري للبلدان الأربعة، مع ضرورة الإشارة أيضا إلى أنه عند الحديث عن الدستور المصري، فإن الكاتب يقصد بالأساس دستور عام 1971، الذي أسقطته ثورة 25 يناير 2011، إلا أن تأليف الكتاب يعود إلى عامَيْن سابقين على ذلك.
الخيانة العظمى تعني في الأصل عدم الولاء، والعمل ضد مصالح الدولة التي ينتمي إليها الفرد، وتوجه هذه التهمة في الغالب إلى من يتصل بدولة خارجية لتقويض الأمن والاستقرار في بلاده
غموض دستوري
يتكون الكتاب من ثلاثة فصول، الفصل الأول منها جاء بعنوان "الخيانة العظمى بوصفها مسوغا لعزل رئيس الجمهورية"، وتناول تعريف الخيانة العظمى وطبيعتها، والأساس القانوني لمسؤولية الرئيس في حالة الخيانة العظمى، من خلال رؤية مقارنة لما جاء في دساتير العراق ومصر والولايات المتحدة وفرنسا، باعتبار أن كلاً من هذه البلدان يُعتبر مدرسة قانونية لها أوجه تمايزها، مع اختيار الكاتب لبلدَيْن عربيَّيْن وآخرَيْن غربيَّيْن لعرض دراسته المقارنة.
والخيانة العظمى ابتداءً تعني في الأصل عدم الولاء، والعمل ضد مصالح الدولة التي ينتمي إليها الفرد، وتوجه هذه التهمة في الغالب إلى من يتصل بدولة خارجية لتقويض الأمن والاستقرار في بلاده، وتكون العقوبة المعتادة على هذه الجريمة هي الإعدام أو السجن المؤبد.
ويشير المؤلف إلى أن دساتير الدول -وبالذات تلك التي أخذها كنموذج لدراسة الحالة في بحثه- لم تتناول الخيانة العظمى بالتعريف الدقيق، كما أنها تباينت فيما بينها فيما يتعلق بمسؤولية الرئيس عند ارتكابه خطأ قانونيا، سواء أكان جنائيا أو يدخل تحت بند الخيانة العظمى.
فبينما أكد الدستور الفرنسي ضرورة ارتباط فعل الخيانة العظمى بموقع الرئيس وأدائه لمهام وظيفته؛ لم تستوجب دساتير أميركا ومصر والعراق قيام صلة ما بين ارتكاب رئيس الجمهوريَّة للخيانة العظمى أو الجريمة الجنائية وبين مهام منصبه. كما ينفرد الدستور الفرنسي أيضا بعدم جواز مساءلة رئيس الجمهورية عن أي أمور أخرى جنائية يكون قد ارتكبها، ولا يُساءَل إلا في حالة الخيانة العظمى فقط.
ولعل أوضح دستور حدد مفهوم الخيانة العظمى -من بين الدساتير الأربعة التي أخذها الكاتب حالة لبحثه- هو الدستور العراقي، الذي حددها بعدم الولاء للنظام الجمهوري، ويشمل ذلك الأفعال التي تقود إلى تغيير النظام الجمهوري إلى نظام ملكي، وثانيا وقف دستور الدولة، كله أو بعضه، أو تعديل أحكامه دون اتباع القواعد والإجراءات التي قررها الدستور.
ومن بين الأمور التي يلزم الدستور الأميركي فيها السلطات الموجودة بعزل الرئيس أو الموظفين الرسميين تقاضي الرشوة، والإخلال بمهام مناصبهم. وبشكل عام، وفي كل هذه الدساتير، فإنه يلزم أن تُنشأ محكمة خاصة للنظر في اتهام الرئيس بتهمة الخيانة العظمى.
رئيس الجمهورية يتحمل تبعة الأضرار الناشئة عن تحمله لأعباء عمل رئيس الجمهورية، إذا ما كانت هذه الأضرار جسيمة وتمس مصالح الدولة العليا
وفي تناوله للأساس القانوني الذي يحاسب عليه رئيس الجمهورية، يقول الكاتب إن جريمة الخيانة العظمى هي جريمة من شقَّيْن، سياسي وجنائي، ولا تكون محاسبة الرئيس على كل الأخطاء التي يرتكبها؛ بل يجب أن تكون هذه الأخطاء على قدر من الجسامة والخطورة، بحيث تمس عموم المصالح القومية للشعب والدولة، وتحدث ضررا في مصالح البلاد العليا.
ومن بين النماذج التي ساقها في هذا المجال رئيس الجمهورية الفرنسية في الحرب العالمية الثانية بيتان، الذي حوكم بتهمة ارتكاب أعمال لا تتفق مع مصلحة البلاد العليا، وهي التعامل مع الألمان الذين كانوا يحتلون فرنسا خلال الحرب، وكذلك واقعة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون الذي استقال على خلفية فضيحة "ووترغيت"، التي أثبت عدد من الصحفيين الأميركيين خلالها أن نيكسون تجسس على خصومه في الحزب الديمقراطي.
ومن بين الأسس القانونية المرتبطة بقضية محاكمة رئيس الجمهورية، نظرية المخاطر السياسية وتحمُّل التبِعَة التي تعني أن رئيس الجمهورية يتحمل تبعة الأضرار الناشئة عن تحمله لأعباء عمل رئيس الجمهورية، إذا ما كانت هذه الأضرار جسيمة وتمس مصالح الدولة العليا.
السلطة للشعب
الفصل الثاني من الكتاب جاء بعنوان "الأحكام الإجرائية الممهدة لعزل رئيس الجمهورية"، وتناول القواعد الإجرائية الخاصة باتهام رئيس الجمهورية والتحقيق معه ومحاكمته، وذلك من خلال رؤية مقارنة بين دساتير البلدان الأربعة.
ويبدأ الكاتب بالقول: إن الأصل أن كل الأفراد متساوون أمام القانون، ولكن في بعض الأحيان لابد من القيام ببعض الاستثناءات، من أجل ضمان نزاهة المحاكمة، ومن بين هذه الحالات، الحالات الخاصة بمحاكمة رئيس الجمهورية، ومن ثَمَّ فقد نصت أغلب الدساتير في العالم على ضرورة تشكيل هيئات خاصة للتحقيق مع رئيس الجمهورية ومحاكمته في حالة اتهامه في قضية جنائية أو بالخيانة العظمى.
وفي غالبية الأحوال، ومن خلال ما جاء في دساتير الدول الأربع؛ فإن توجيه الاتهام لرئيس الدولة يجب أن يكون من خلال المجالس النيابية التي تعبر عن إرادة الشعب وتمثله أمام الدولة. وفي الحالة الفرنسية، فإن الاتهام يكون من خلال مجلس النواب ومجلس الشيوخ معا، فيما تترك النواحي الإجرائية في التحقيق والمحاكمة للقانون لتنظيمها غالبًا.
ويعرض الكاتب في هذا الفصل مجموعة من النماذج التي جرت فيها محاكمات لرؤساء دول، ومن بينها حالة محاكمة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في فضيحة الفساد الأخلاقي التي تورط فيها مع إحدى المتدربات في البيت الأبيض وهي مونيكا لوينسكي؛ إذ تم توجيه الاتهام لكلينتون بناءً على طلب مقدم لمجلس النواب الأميركي، فتشكلت لجنة من الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي الذي ينتمي إليه كلينتون، برئاسة القاضي كينيث ستار الذي أقر بأن كلينتون مذنب.
ومن بين الاتهامات التي وجهت لكلينتون واعتذر عنها للشعب الأميركي: الكذب تحت القسم، وهي تهمة خطيرة بالنسبة للرئيس في الولايات المتحدة، وكادت تتسبب في عزل كلينتون، إلا أنها لم توضع تحت بند الخيانة العظمى.
العزل كعقوبة
الفصل الثالث جاء بعنوان "العزل بوصفه عقوبة تترتب على إدانة رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى"، وتناول بيان معنى العزل ومسوغاته، وتحديد ذاتية العزل وأشكاله، مع توضيح الأحكام الإجرائية الخاصة بالعقوبة الواجبة التطبيق.

ويقول الكاتب: إنه إذا ما تحركت أسباب الاتهام تجاه رئيس الجمهورية، وأثبتت الجهة المختصة بالتحقيق والمحاكمة أن الفعل المنسوب لرئيس الجمهورية يشكل خيانة عظمى، فعندها تتحقق مسؤولية رئيس الجمهورية، التي في حالة تحققها ليس لها إلا حل واحد، ألا وهو العزل.
العزل قد يكون قضائيا كما في أميركا. أو شعبيا، من خلال أغلبية الثلثين في المجالس النيابية كما في ألمانيا ومصر. أو سياسيا، كأن يسقط المجلس النيابي عن الرئيس الثقة
والعزل في الاصطلاح القانوني هو عقوبة تترتب على ارتكاب الموظف خطأ بالغ الجسامة، يجعل من بقائه في الوظيفة أمرا مضرا بالمصلحة العامة للدولة. وهو أيضا الفصل من الوظيفة بمعنى آخر، وفي حالة عزل رئيس الجمهورية تكون العقوبة ذات طابع سياسي، ويترتب عليها فقدان رئيس الجمهورية لمنصبه وانتقال صلاحياته إلى غيره.
ويميز الكاتب بين العزل والاستقالة والإقالة، فالاستقالة هي فعل إرادي يقوم به الموظف العام ذاته. وبينما لا يترتب على الإقالة أي إجراء جنائي ضد الموظف، فإن العزل يكون تمهيدًا لمحاكمة الرئيس أمام المحكمة المختصة بحسب الجُرم الذي ارتكبه.
والعزل قد يكون قضائيا، أي يصدر عن هيئة قضائية مُشكَّلة لهذا الغرض، كما في الولايات المتحدة. أو شعبيًّا، من خلال أغلبية الثلثين في المجالس النيابية، كما في ألمانيا ومصر. أو سياسيًّا، كأن يسقط المجلس النيابي عن الرئيس الثقة، بسبب ارتكابه أخطاء في الحكم تجعله غير صالح لمباشرة سلطته؛ إذ يُعد بقاؤه في الحكم مصدرًا للخطورة التامة على سياسة الدولة ومصالح الأفراد والتوازن العام بين السلطات، كما في حالة الدستور العراقي الذي تم إقراره في عام 2005.
المصدر:الجزير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق