الأربعاء، 20 مارس 2013

عيبي في كثرة كلامي !

عيبي في كثرة كلامي !
 

عيبي في كثرة كلامي !
تمت الإضافة بتاريخ : 20/03/2013م
الموافق : 9/05/1434 هـ
أ. فتحي عبد الستار
السؤال
أنا امرأة عمري أربعة وثلاثون عاما مثقفة ومتعلمة، ومنحني الله الرأي الصائب، حتى إن هناك من يستعين برأيي. لكن في شخصيتي عيبًا وهو أنني كثيرة الكلام، ولا أترك لغيري فرصة حتى يطلب رأيي، بل أنصحه وأفسر له المشكل والأسباب والنتائج وأقنعه بحجج كثيرة.. هناك من استغل صفتي هذه في حل مشاكله، ويشعرني بأن رأيي خاطئ، وألاحظ بعدها تطبيقه لرأيي وينسب الحل لنفسه، وهناك من يتضايق من رأيي، وهناك من يبني شخصيته بأفكاري ثم يرميني ويقطع علاقته بي، وكذا زوجي أشعر أنه مستفيد من كلامي لكنه متضايق. فأنا أشعر منهم جميعا بالاحتقار في حين أنهم يقدرون الإنسان الذي كلامه قليل ولا يهتم بهم ولا بمشاكلهم. حاولت مرارا ضبط نفسي ولساني فلم أفلح.. كنت أريد أن لا أدلي برأيي حتى يطلبون هم ذلك لكنني لم أستطع، فنفسي المحبة للخير والنصح تغلبني، بل الأحرى أن لساني لا يطاوعني.. والجميع يمتص الفائدة ثم يزدريني.. أرشدوني مأجورين..
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أختي الكريمة مرحبًا بك، ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا لمساعدتك، وبعد..
فلتحمدي الله عز وجل أولاً وآخرًا على هذه النعم التي أسداها لك، من الثقافة والتعليم والرأي الصائب، ونسأله سبحانه أن يديمها عليك ويزيدك منها، ويرزقك حسن العمل فيها والإخلاص.
ولا شك أن حرصك على مصلحة الآخرين ورغبتك في نصحهم هو بالتأكيد أمر طيب تثابين عليه، على أن تقومي بهذا وفق الآداب الشرعية والأخلاق الإسلامية، ومن هذه الآداب تحين الفرصة المناسبة للنصح والإرشاد، وانتقاء الكلام الطيب، ومراعاة حال المنصوح، وعدم الإثقال عليه أو إشعاره بالتدخل في شئونه وفرض الرأي عليه، ولو خالفت هذه الآداب فلا شك سيكون هذا داعيًا لنفور الناس منك، وعدم تقبلهم النصح، أو على الأقل الشعور ناحيتك بشعور سلبي قد يفقد النصيحة أثرها.
وكثرة الكلام والإلحاح لا شك يصيبان المرء بالضجر والضيق، حتى لو كان هذا لمصلحته، خاصة لو كان هذا دون طلب منه.
وأخشى أن يصاحب هذا الحرص المحمود على منفعة الآخرين وامتلاكك الرأي الصائب اتصافك بداء الثرثرة التي تضايق الناس جميعًا وتنفرهم، وقد يتحول هذا دون أن تشعري إلى محاولة منك للفت الأنظار إليك بحصار الآخرين بالكلمات، وإشباع رغبتك في الظهور، فتقعين في إيذاء الناس بلسانك من حيث أردت مصلحتهم.
والنصوص في حفظ اللسان، وعدم إيذاء الناس به، وفضل الصمت كثيرة، منها ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ بلسانه وقال لمعاذ رضي الله عنه: "كف عليك هذا"، فقال معاذ: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم" [رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح].
وعن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت: يا رسول الله، حدثني بأمر أعتصم به، قال: "قل ربي الله ثم استقم"، قال: قلت: يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: "هذا". [رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح].
ولقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر فقال: "يا أبا ذر ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر، وأثقل في الميزان من غيرهما؟" قال: بلى يا رسول الله، قال: "عليك بحسن الخلق، وطول الصمت، فوالذي نفسي بيده ما تجمل الخلائق بمثلها". [رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط].
وعن أسلم أن عمر رضي الله عنه دخل يومًا على أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو يجبذ لسانه، فقال عمر: مَه، غفر الله لك، فقال له أبو بكر: إن هذا أوردني شر الموارد.
وأقسم ابن مسعود رضي الله عنه قائلاً: "والذي لا إله غيره؛ ما على ظهر الأرض من شيء أحوج إلى طول سجنٍ من لسان".
ومن كلام السلف الصالح رحمهم الله: "الكلام أربعة أقسام: قسم هو ضرر محض، وقسم هو نفع محض، وقسم هو ضرر ومنفعة، وقسم ليس فيه ضرر ولا منفعة، أما الذي هو ضرر محض فلا بد من السكوت عنه، وكذلك ما فيه ضرر ومنفعة لا تفي بالضرر، وأما ما لا منفعة فيه ولا ضرر فهو فضول، والاشتغال به تضييع زمان، وهو عين الخسران، فلا يبقى إلا القسم الرابع؛ فقد سقط ثلاثة أرباع الكلام وبقي ربع، وهذا الربع فيه خطر، إذ يمتزج بما فيه إثم، من دقيق الرياء والتصنع والغيبة وتزكية النفس".
وقال محمد بن النضر الحارثي: كثرة الكلام تذهب بالوقار.
وقال محارب: صحبنا القاسم بن عبد الرحمن، فغلبنا بطول الصمت، وسخاء النفس، وكثرة الصلاة.
وعن الأعمش عن إبراهيم قال: كانوا يجلسون فأطولهم سكوتًا أفضلهم في أنفسهم.
وقال فضيل بن عياض رحمه الله: ما حج ولا رباط ولا اجتهاد أشد من حبس اللسان.
وعن عمر بن عبد العزيز قال: إذا رأيتم الرجل يطيل الصمت ويهرب من الناس، فاقتربوا منه؛ فإنه يُلَقَّن الحكمة.
وقال رجل لعبد الله بن المبارك رحمه الله: ربما أردتُ أن أتكلم بكلام حسن، أو أحدِّث بحديث فأسكت، أريد أن أُعوِّد نفسي السكوت، قال: تؤجر في ذلك وتشرف به.
وكان عبد الله بن أبي زكريا لا يكاد أن يتكلم حتى يُسأل.
وقال الأوزاعي: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز رحمه الله: أما بعد، فإن من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير، ومن عدَّ كلامه من عمله قلَّ كلامه إلا فيما يعنيه.
وقال إبراهيم التيمي: المؤمن إذا أراد أن يتكلم نظر، فإن كان كلامه له تكلم، وإلا أمسك عنه.
وقال الشاعر:
الصمت زين والسكوت سلامة *** فإذا نطقت فلا تكن مكثارا
فإذا ندمت على سكوتك مرة *** فلتندمن على الكلام مرارا
وأرجو ألا تفهمي –أختي الكريمة– من هذه النصوص أنها تدعو إلى ترك النصح للمسلمين، وعدم إرشادهم إلى الخير، وإعطائهم المشورة، إنما هي تدعو إلى التوسط والاعتدال، وترك الفضول، فديننا وسط في كل شيء، لا إفراط ولا تفريط.
وللتخلص من هذه العادة –أختي الكريمة- أنصحك بالآتي:
- محاولة اكتشاف الدافع النفسي وراء ما تقومين به، والتأكد من نيتك، وتوجيهها لله عز وجل إن كانت غير ذلك.
- تحسس شعور الآخرين، وتدريب نفسك على عدم الحديث في شئونهم إلا إذا لمست منهم رغبة حقيقية في سماع رأيك وطلب نصحك، وأنهم يتابعون حديثك بتشوق واهتمام، لا لمجرد مجاملتك.
- مراجعة نفسك بعد كل جلسة مع الآخرين، وما دار في هذه الجلسة من حديث، لتقفي على سلبياته والعزم على استدراكها في الجلسات المقبلة.
- الحرص على التفكير قبل الحديث، وحبس اللسان وعدم إطلاقه دون تفكير فيما سيقوله.
- الاقتصار في النصح على الكلمات والجمل القصيرة المعبرة التي تفي بالمضمون دون إكثار، وترك الاستطراد والتفصيل.

- عوِّدي نفسك الإصغاء للآخرين، وأن تستمعي أكثر من أن تتكلمي، وأن تتوقفي عن الحديث عندما تشعرين بملل المستمع، أو برغبته في الحديث.
أما استغلال الآخرين لك في حل مشكلاتهم، ثم تنكرهم لك، فاحتسبيه عند الله عز وجل، وابتغي بعملك وجهه سبحانه، حتى لا تحزني لهذا الفعل منهم، والله حسبك ووكيلك، ويكفيك الأجر منه جل وعلا.
وفي الختام أسأل الله عز وجل أن يزيدك من نعمه، وأن يبارك لك في حياتك كلها، وأن يشفي صدرك، إنه على ما يشاء قدير، وتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــــ
الإسلام اليوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق