السبت، 30 مارس 2013

النقابات التعليمية بين "وهم الشراكة" و"حلم التعاقد"


النقابات التعليمية بين "وهم الشراكة" و"حلم التعاقد"

النقابات التعليمية بين "وهم الشراكة" و"حلم التعاقد"
"لا يمكننا توجيه الريح، ولكن يمكننا تعديل الشراع"
قول مأثور

1- بين يدي المقال:
لست في حاجة إلى ما أعتقد إلى الوقوف كثيرا عند الأهمية التي بات يحتلها قطاع التعليم في المغرب؛ أهمية يزكيها النقاش الدائر حول القطاع باعتباره ورشا يستلزم إصلاحات عميقة تتطلبها المنظومة التعليمية والمدرسة العمومية، الشيء يقتضي تضافر جهود كل الغيورين إيمانا بأهمية المسألة التعليمية وما تتطلبه من جهود وإجراءات عملية يتعين اتخاذها في إطار تشاركي بين كافة المتدخلين بهدف ضمان كافة الأجواء الملائمة للسير الدراسي، وللمسار العادي للعملية التعليمية التعلمية.
ولست في حاجة أيضا إلى التأكيد على الدور الفاعل والنافد الذي يجب أن تلعبه النقابات التعليمية داخل هذه المنظومة في علاقتها بنيابات التربية الوطنية حيث تربطها في الأصل علاقة شراكة، من خلال اللجن الإقليمية الموسعة التي تضم النقابات الخمس الأكثر تمثيلية.

2- مفهوم الشراكة أو وهم الشراكة؟
تعني الشراكة في اللغة التعاون والتشارك والتفاعل التواصلي وتآزر الشركاء. وتفيد في الاصطلاح التربوي معنى التعاون المشترك بين هيئة تربوية وأطراف أخرى سواء أكانوا من داخل المؤسسة التعليمية أومن خارجها أو من جهات أجنبية تجمعهم مشاريع مشتركة؛ الغاية منها تحقيق التواصل اللغوي والثقافي والحضاري بين المتشاركين أو التعاون من أجل إيجاد الحلول المناسبة لمجموعة من الإكراهات والمشاكل التي تواجهها الأطراف المتعاقدة(1).
يظهر من خلال هذا التحديد الدور الرائد الذي يمكن أن تلعبه الهيآت النقابية بوصفها متدخلا أساسيا في منظومة التربية والتكوين وشريكا اجتماعيا مع الإدارة التربوية التي تعتبر الإدارة الإقليمية للتربية الوطنية في هذا المقام تجليا من تجلياتها.
في هذا الإطار يكمن الهم الذي يجب أن تضطلع به النقابات الخمس بوصفها ممثلا اللجنة الإقليمية الموسعة في إعداد تقييم وتشخيص شامل لوضعية قطاع التربية والتعليم بالإقليم، يتناول كل الجوانب المرتبطة بالتعليم سواء المادية أو البشرية بشكل يمكن من اتخاذ مختلف الإجراءات الاستباقية، وحل المشاكل التي يحتمل أن تعيق ليس فقط الدخول المدرسي، بل السنة الدراسية -باعتبارها تضم أجيالا وعائلات وثقوا في المنظومة التربوية- مع التفكير العالِم في الإكراهات التي يمكن أن تعترض التدبير المشترك والتي يجب دراستها والتفكير في الصيغ المتاحة لتجاوزها، في أفق توفير كافة التدابيــــر الملائمة للعمليــة التربوية والمساهمة الفعالة في تذليل كل الصعوبات والعقبات التي تعترض المسيرة التربوية بالإقليم.
3- كي لا يتحول النقابي إلى ساعي بريد أو المهمة المُخْجِلة
من الأدوار التي يجب أن تسند إلى اللجنة الإقليمية الموسعة التداول في كل الأمور ذات الامتياز و ذات القيمة والأثر الايجابي على الشغيلة التعليمية، ليس فقط مسألة الحركة الانتقالية التي لم تعد على العموم تشفي غليل المشاركين فيها لاعتبارات ذاتية وموضوعية، بل أمور أخرى لها علاقة بالشق المالي كالصفقات والمطاعم والسكنيات، والشق التربوي وكل ما يتعلق بتدبير الحياة المدرسية..
لكن اعتبارات مختلفة تجعل النقابات لا تتفرغ لمثل هذه الملفات، منها ما هو تنظيمي يتعلق بالإكراهات الداخلية التي تعيشها النقابات التعليمية عموما، ومنها ما يتعلق بطبيعة القيادة النقابية وترتيب الأولويات لديها؛ ومنها ما يتعلق بالإدارة التعليمية وهي تنهج نهج التمطيط والتسويف في ملفات ومشاكل بسيطة بشكل يدعونا إلى التساؤل حول ما إذا كانت هناك إرادة ما لإلهاء النقابي عن التفكير في قضايا ومسائل أكبر وأشمل وتحويله إلى ساعي بريد يسعى إلى إرضاء من يسبونه في الضحى والغسق، من خلال جمع الوضعيات الإدارية وقرارات التسمية في الدرجة، والتهافت والتسابق على إخبار الشغيلة بنجاحها في امتحان الكفاءة المهنية أو ما شابه ذلك..
إن الأمر أشمل وأرحب من ذلك بكثير، يتعلق بسؤال الرغبة في بناء شراكة واسعة غير مُوَجَهَة وغير خادمة لطرف من الأطراف، وفي المقابل الحفاظ على الحد المعقول من التعاقد مع الشغيلة التي يفترض فيها الانخراط الواعي والايجابي في صيرورة التدافع الاجتماعي..
4- في حاجة إلى لقاء إقليمي وإلى مساحة مشتركة:
بلغة آخر، نحن في حاجة إلى لقاء يجمع النقابات لمدارسة الواقع التعليمي وتطوير آليات التنسيق بين الأطراف النقابية بالإقليم التي باتت في حاجة ملحة إلى للوقوف على ما تحقق وما لم يتحقق للأسرة التعليمية، والتوافق على أرضية مشتركة وفق معايير واضحة ومنصفة لتدبير مسألة التكليفات ومعاييرها داخل الإقليم، وشروط تدبير الفائض وغيرها من القضايا "الدسمة" الأخرى
إن تفكيرا بهذا الشكل يمكن أن يؤدي في ظروف معينة، وفي حالة ما إذا توفرت الإرادة الحقيقية لدى بعض الأفراد داخل النقابات، إلى إمكانية خوض نضالات واعية مشتركة إذا ما تمادت الإدارة في عدم استجابة للمطالب الحقيقية والمشروعة لموظفي القطاع بالإقليم.
5- الحاجة إلى مجلس تنسيق نقابي أو الحلم المؤجل
قد يكون الكلام على هذا المجلس نوعا مما "يراه النائم" في ظل وضع نقابي مبني على انسجام ظاهري على مستوى السطح، وتشظ في العمق..لكن قناعتنا بان صيرورة الأشياء وواقع الحال والسياق الراهن يقتضي أن نعيش ولو فرضا مثل هذا الطموح: الحاجة إلى مجلس تنسيق تكون فيه النقابات نموذجا في التآلف والتعاون المشترك لخدمة قواعدها والقطاع بالإقليم، والتفكير في مشروعات ذات قيمة وقريبة من الانتظارات الحقيقية للشغيلة التعليمية بالإقليم، في أفق تحقيق المصالحة المرجُوَة في ظل تنامي أطروحات "التخوين" والتطبيع مع الإدارة.. التي لا يذخر محترفو الصخب والكلام في المقاهي والأندية وقاعات الأساتذة جهدا في إلصاقها بالنقابات وتعميمها، بعيدا عن أي رؤية تحليلية وتمييزية لواقع الحال ومنطق الأشياء؛ وإصرار على تجاوز مقاربة التكفير لمعانقة منطق الانخراط في التنظيمات النقابية وتحقيق التدافع الواعي و"الربيع العربي" داخل الهيآت التي لم يعد بعضها ينتظر سوى توريث، أو "غضبة مَضَرِيَة" تنظيمية تجعل أصدقاء الأمس أعداء أزليين يتنازعون جلباب الشرعية وقميص التمثيلية.
إن المعادلة صعبة الإدراك لمن يقف بعيدا يعد نوق "بني عبس" أو لمن نراه "عصي الدمع شيمته" الغدر بانتمائه النقابي ورحل بأفكاره من تنظيم نقابي إلى آخر..لأن مسألة "الخيرية" قد تسكن وجدان أفراد هم طبعا يوجدون في كل الهيآت النقابية، غير أن مسألة العزوف والارتهان إلى ذاكرة بدون ألوان، لا يساعد إلا على إبقاء وضع الشرخ بين النقابة والشغيلة على ما هو عليه..هي الحالة هاته ربما في كل الأقاليم وأكيد في أقاليم أخرى بدرجات مختلفة؛ وضع لا يمنعنا من التفاؤل ومن الإيمان بالتغيير التدريجي ومن الحلم..
اللجنة الإقليمية الموسعة حاجة ملحة وخيار استراتيجي لإدارة أمور القطاع لأي إقليم من الأقاليم، لا يمكن أن يرفضها كيفما كانت مزاعمه، إلا جاهل بطبيعة المرحلة أو مُتَحِرف لتدبير ملفات مشبوهة لذوي القربى أو "ما ملكت أيمانه"؛ والدفاع عن هذه القناعة أمر تمليه ضرورة الراهن، وتأجيل "معركة" الإختلاف في الرؤى والايديلوجيا إلى أجل ما..
إلى ذلكم الحين، تبقى الحاجة إلى اللجنة الإقليمية الموسعة لازمة من لوازم إدارة مرحلة تدبيرية حساسة يحمل في طياته كل تباشير النجاح والتطور، إذا ما توفرت لذلك الإرادة الحقيقية بين الإدارة وأفراد داخل النقابات والسواعد الايجابية للشغيلة؛ إرادة لا نحتاج معها إلى شهادة حسن سيرة السلوك من أي مسؤول.
والبقية تأتي..

هامش:
(1) لم يطرح مفهوم الشراكة التربوية وفي المغرب، إلا في بداية التسعينيات من القرن العشرين حيث قامت وزارة التربية بشرح مفهومها للشراكة التربوية وترجمته من خلال مذكرتين وزاريتين أساسيتين:

أ‌- مذكرة رقم 73 بتاريخ 12 أبريل 1994 وهي خاصة بمشروع المؤسسة.
ب‌- مذكرة رقم 27 بتاريخ 24 فبراير 1995 وهي التي تناولت مفهوم الشراكة التربوية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق